من منا لا يجد عشقاً للقصص بكل أنواعها؟!
ومن منا لا يشعر باشتياق بالغ للقصة التي كانت ترويها له والدته أو جدته أيام طفولته؟!
القصص من أجمل وأسمى أنواع الأدب، والتي لا يختلف على حبها أحد بحيث يولد حبها داخل القلوب منذ الصغر، ويظل حبها مستمرا بقلوب الجميع حتى يلقى الإنسان منا نهايته.
القصـــــة الأولى:
بيوم من الأيام ذهب جحا للسوق لشراء بعض الاحتياجات اللازمة لمنزله، وعندما وصل للبقال والذي كان يعتبر صديقاً له، أخبره بكل ما يريد شراءه، وكانت المشكلة أن المال الذي بحوزة جحا لا يكفي لشراء كل ما يريده من البقال.
فطلب جحا من البقال أن يعطيه أشياء بقدر المال الذي معه، ولكن البقال أحضر كل ما احتاج إليه جحا ووضعه له بيده، وأخبره بأن يأخذ كل ما طلبه من البداية وليس هنالك فرق بينهما على أن يرد الدين لاحقا.
أخذه جحا ووعد البقال أن يحضر له ماله في وقت لاحق، وعاد منزله فرحا مسرورا لتلبيته كل طلبات زوجته على غير العادة، ولكنه يوما بعد يوم نسي وعده للبقال، ولم يتذكره إلا حينما وجد البقال أمام منزله يطالبه بسداد دينه، وعده جحا للمرة الثانية أن يرد إليه دينه ولكن بعد يومين.
وبعد مرور اليومين لم يذهب جحا للبقال، وبل وكان يتجنب الرجل في كل الطرقات، وإن رآه مارا بطريق غير مساره في الحال حتى لا يعطي أي فرصة للبقال أن يراه ويتذكر دينه.
ومرت الأيام بينهما ولازال جحا على موقفه من الرجل البقال حتى جاء اليوم الذي اجتمع فيه جحا مع أصدقائه، أراد أصدقائه سماع قصة ونادرة من نوادره الشيقة ليستمتعوا بذلك، وفجأة رأى جحا من بعيد البقال قادم إليه، أراد أن الفرا منه وتجنبه، ولكن أصدقائه أجبروه على البقاء.
ولم يجد جحا ملاذا فاقترب من البقال قائلا: “إنني أدين لك بكم يا صاحبي؟”
فقال البقال: “بخمسين درهما”.
فقال جحا: “إذاً غذاً بإذن الله أعطيك خمسة وعشرين درهما، وبعد غد أعطيك عشرين درهما، إذاً كم يتبقى لك؟!”
قال البقال: “خمسة دراهم”.
فقال جحا: “إذا أنت لك في زمتي خمسة دراهم فحسب؟”
فقال البقال: “نعم”.
فقال جحا: “وعلى خمسة دراهم تتبعني من مكان لمكان، وتطالبني على الدوم، أهذه أخلاق الكرام يا صاحبي؟!”
فقال البقال: “لقد فعلتها بي إذاً يا جحا”!
اقرأ أيضا: قصة جحا والحمار الناقص من التراث العربي الشعبي
القصـــة الثانيــــــــة:
بيوم من الأيام كان جحا في زيارة لصديقه المقرب والذي يعمل بقصر الوالي، قص على جحا قصة في غاية العجب…
الوالي رجل على قدر بالغ من الجهل، وليس عنده رحمة ولا شفقة لأحد، بيوم قريب أرسل في طلب الحكيم العالم بالبلدة، وطلب منه عجب العجاب، طلب من الحكيم أن يعلم حماره الحروف الهجائية ومن بعدها الحديث!
صعق الرجل الحكيم، وأعلمه أن طوال حياته التي دامت لسنوات، وعلى الرغم من قراءته العديد والعديد من كتب السابقين إلا إنه لم يعلم أمراً مماثلا ولا حتى مشابها لما يطلبه الوالي، فأمر الوالي بنفيه خارج البلاد وعدم عودته مرة أخرى إليها من جديد.
تعجب جحا من أمر الوالي الغريب، وبعدما أنهى مجلسه مع صديقه عاد لمنزله، وباليوم التالي وجد إعلانا من الوالي عن مكافئة كبرى مجزية لمن لديه الخبرة الكافية لتعليم حماره.
تقدم جحا مريداً الذهاب للوالي، وجميع من حوله حذروه من عواقب ما يفكر به، وحذروه أيضا من بطش الوالي الذي لا يرحم أمثالهم ولا غيرهم لشدة جهله.
ولكن جحا أصر الذهاب إليه، وبالفعل ذهب وهناك أخبر الوالي قائلا بكل ثقة وعزم: “إنني أعشق تعليم الحمير يا مولاي”!
سر الوالي كثيرا من حديثه الذي راق له، وأمر رجاله بكيس مملوء بالدراهم وبمنزل يليق بمقامه، أما عن جحا فقد وضع شروطه، والتي تمثلت في حجرة مستلقة بالحمار مزودة بجميع الأدوات اللازمة لتعليمه، والشرط الوحيد بعد هذا أن يحضر معهما الوالي بنفسه حتى يتمكن من تقييم ما يفعله جحا، لقد كان الوالي نفسه جاهلا بالحروف الهجائية؛ وآخر الشروط كانت وضع جحا خطة زمنية قدرها بثلاثة سنوات.
وافق الوالي على كل شروطه، ووعده بالأموال الوفيرة والثراء الذي يمكنه من تمضية بقية حياته في ثراء فاحش إن صح قوله، أما في حالة فشله فتوعد أن يقتلع رأسه من على كتفيه.
قلق صديقه عليه، وسأله: “لم فعلت ذلك بنفسك أيها الأحمق؟!”
فقال جحا: “حلال الثلاثة سنوات أحد ثلاثتنا سيموت، إما أنا أو الوالي أو الحمار”!
فقال صديقه: “يا لك من ذكي”!
اقرأ أيضا:
قصة جحا والاواني وقصة صفعة جحا
قصة جحا والقاضي الظالم بها الكثير من العبرة والفائدة
شموس نامت واخيراً
حمزة نام أخيرا